الأحد، 8 أبريل 2012

منارة الإسكندرية


منارة الإسكندرية

فنار الإسكندرية أو منارة الإسكندرية من عجائب الدنيا السبع وكانت تسمى فاروس "Pharos"، موقعها كان على طرف شبه جزيرة فاروس وهي المكان الحالي لقلعة قايتباي في مدينة الإسكندرية في مصر. تعتبر أول منارة في العالم أقامها سوسترات في عهد "بطليموس الثاني" عام 270 ق.م وترتفع 120 مترا

ويعتقد البعض أن الحجارة المستخدمة في بناء قلعة قايتباي هي من أحجار الفنار المدمر، كما أن موقع القلعة هو ذاته موقع الفنار المنهار، وقد وصف " المسعودي" في عام 944 م، الفنار وصفاً أميناً وقدَّر ارتفاعها بحوالي 230 ذراعاً. وقد حدث زلزال 1303م في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فضرب شرق البحر المتوسط، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارتها.

وقد وصف" المقريزي" في خططه ما أصاب المدينة من دمار، وذكرَ أن الأمير ركن الدين  قد عمَّر المنارة أي رمَّمها في عام 703 هـ. وبعد ذلك الزلزال المدمر بنصف قرن زار" ابن بطوطة" الإسكندرية في رحلته الثانية في عام 1350م وكتب يقول:  وقصدتُ المنارة، عند عودتي إلى بلاد المغرب، فوجدتها قد استولى عليها الخراب، بحيث لا يمكن دخولها ولا الصعود إليها وكان الملك الناصر شرع في بناء منارة بإزائها فعاقه الموت عن إتمامها .
ويروي المؤرِّخ المصري" ابن إياس" أنه عندما زار السلطان الأشرف "قايتباي" الإسكندرية، في عام 1477 م، أمر أن يُبنى مكان الفنار برج جديد، وهو ما عُرف فيما بعد ببرج قايتباي، ثم طابية قايتباي التي لا تزال قائمةً حتى اليوم.
وكان الفنار يتألَّف من أربعة أقسام، الأوَّل عبارة عن قاعدة مربَّعة الشكل، يفتح فيها العديد من النوافذ، وبها حوالي 300 غرفة، مجهَّزة لسكنى الفنيين القائمين على تشغيل المنار وأُسرهم. أما الطابق الثاني، فكان مُثمَّن الأضلاع، والثالث دائرياً، وأخيراً تأتي قمة الفنار، حيث يستقر الفانوس، مصدر الإضاءة في المنارة، يعلوه تمثال لإيزيس ربه الفنار ايزيس فاريا.

ومن الطريف أن اسم جزيرة فاروس "Pharos" أصبح عَلَماً على اصطلاح منارة أو فنار في اللغات الأوربية، واشتُقَّت منه كلمة فارولوجي "Pharology" للدلالة على علم الفنارات                                                                                                                                       

كيفية عمل الفنار

ولم يعرف أحد يقيناً كيف كانت تعمل المنارة أو الفنار، وقد ظهرت بعض الإجتهادات، لم يستقر الخبراء وعلماء التاريخ على أيٍ منها. وثمَّة وصفٌ لمرآة ضخمة كاسرة للأشعة في قمة الفنار كانت تتيح رؤية السفن القادمة قبل أن تتمكن العين المجرَّدة من رصدها.

وقد كتب الرحَّآلة العربي القديم "ابن جبير" أنَّ ضوء الفنار كان يُرى من على بُعد 70 ميلاً في البحر.
 وهناك رواية تُفيد بأن مرآة الفنار وكانت إحدى الإنجازات التقنية الفائقة في عصرها، قد سقطت وتحطَّمت في عام 700 م، ولم تُستبدل بغيرها وفقد الفنار صفته الوظيفية منذ ذلك الوقت، وقبل أن يدمِّره الزلزال تماماً.
ويُقال أن الصعود إلى الفنار، والنزول منه، كان يتم عن طريق منحدر حلزوني أما الوقود فكان يُرفعُ إلى مكان الفانوس في الطابق الأخير بواسطة نظام هيدروليكي. وقد وصف فورستر طريقة أخرى لرفع الوقود (الخشب) إلى موقع الفانوس، فذكرَ أن صفَّاً طويلاً من الحمير كان في حركة دائبة، لا يتوقف ليلاً أو نهاراً، صعوداً ونزولاً، عبر المنحدر الحلزوني، تحمل الوقود الخشبي على ظهورها.
وفي مُفتتح القرن العشرين، قدَّم الأثري والمعماري الألماني "هرمان ثيرش" نموذجاً للفنار، في هيئة أقرب إلى نُصُب تذكاري، يرتفع كبرج فخم مكوَّن من ثلاثين طابقاً، ويحتوي على 300 غرفة.
     أبحاث حول الفنار
إن فريق الباحثين الأثريين العاملين بموقع قايتباي، يسعون للحصول على كتل حجرية تنتمي لأنقاض الفنار القديم وهم يعرفون أن واجهته كانت تحمل لوحةً تذكارية، منحوتة بحروف يونانية ضخمة، فإذا وجدوا تلك اللوحة أو جزءاً منها تأكد للجميع أن الكتل الحجرية الضخمة الغارقة بالموقع هي أنقاض الفنار.
إن بعض علماء التاريخ يشكك في أن الفنار القديم هو مصدر هذه الكتل، ويعتقد أنها مجرَّد صخور كانت تُلقى إلى الماء، في العصور الوسطى، كإجراء دفاعي لإغلاق الميناء أمام سفن الصليبيين الغزاة. ومع ذلك، فإن "جان إيف إمبرور" لا يزال متمسِّكاً باعتقاده أن بين هذه الأنقاض الغارقة قطعاً من جسم الفنار، سقطت في المياه عندما تحطَّم ذلك البرج الضخم، بفعل الزلزال.
ولكي يؤكد هذه الاحتمالات يحاول "جان إيف "أن يتتبَّع كل الدلائل والإشارات التاريخية حول حجم وهيئة ذلك المبنى الغامض، الذي ورد ذكره ووصفه في كتابات عشرات من الكتَّاب الإغريق والرومان والعرب القدامى، الذين سجَّلوا أوصافاً عجيبةً له، ولكن كتاباتهم لا تشفي غليل" إمبرور" لعموميتها وعدم دقتها، وأحياناً لتناقضها مع بعضها البعض
                        المؤرخون يتحدثون عن المنارة
يتكلم المسعودي عن منارة الإسكندرية فيذكر أن أكثر المصريين يعتقدون أن الذي بناها هو الإسكندر بن فيليب المقدوني ومن المصريين أيضا من يعتقد أنها ترجع إلى الملكة دلوكة حيث بنتها لتكون مكانا تراقب به أعداءها.. وربما يعتمد البعض على عاشر ملوك الفراعنة ليكون صاحب المنارة.
إلا أن المسعودي يذكر أيضا رأيا عجيبا يقول أن الذي بني مدينة روما هو الذي بني الإسكندرية ومناراتها والأهرام بمصر، وإنما أضيفت الإسكندرية إلى (الإسكندر) لشهرته باستيلائه على كثير من ممالك العالم.
وبعيدا عن الآراء التي تحدد صاحب المنارة فإن المسعودي يبدأ في ذكر مواصفاتها فيقول: الذي بناها جعلها على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر وعلى طرف اللسان الذي هو في داخل البحر وجعل على أعلاها تماثيل من النحاس وغيره، ومنها تمثال قد أشار بسبابته من يده اليمنى نحو الشمس، أينما كانت من الفلك، وإذا كانت الشمس عالية أشار إليها وإذا انخفضت فإن يده تشير لأسفل وهناك تمثال آخر يشير بيده إلى البحر إذا صار العدو على نحو ليلة من الإسكندرية فإذا اقترب العدو أصبح من الممكن رؤيته بالعين فإن هذا التمثال يصرخ بصوت هائل يمكن سماعه من على بعد ثلاثة أميال فيعلم أهل المدينة أن العدو قد اقترب منهم فيخرجوا للحرب.. وتمثال آخر بمثل هذه الغرابة كلما مضى من النهار أو الليل ساعة فإنه يصدر صوتا واضحا مختلفا عن صوت الساعة السابقة وصوته جميل وبه طرب!!
ومن الحوادث التي تذكر عن محاولات الروم التخلص من هذه المنارة التي تهدد دخولهم مصر واستيلاءهم عليها.. تلك القصة التي تدور عن أحد ملوك الروم حين أرسل أحد أتباعه إلى "الوليد بن عبدالملك بن مروان". وجاء هذا التابع واستأمن "الوليد" وأخبره أن ملك الروم يريد قتله، ثم أنه يريد الإسلام على يد"الوليد". وبالطبع اقتنع "الوليد"وقربه من مجلسه وسمع نصائحه.. خاصة أن هذا الرجل قام باستخراج دفائن وكنوز عديدة من بلاد دمشق والشام وغيرها بكتب كانت معه فيها وصفات لاستخراج تلك الكنوز.. وقتها زاد طمع "الوليد" وشراهته حتى قال له الخادم: يا أمير المؤمنين إن هاهنا أموالا وجواهر ودفائن للملوك مدفونة تحت منارة الإسكندرية وقد قام بدفنها الإسكندر بعد استيلائه عليها من "شداد بن عاد" وملوك مصر وبني لها نفقا تحت الأرض به قناطر وسراديب وبني فوق ذلك كله المنارة.. وكان طول المنارة وقتها ألف ذراع والمرآة الكبيرة في أعلاه.
فقام الوليد بإرسال جيش من جنوده وخلصائه ومعهم هذا الخادم الداهية وهدموا نصف المنارة من أعلاها وأزيلت المرآة.. فهاج الناس وقد علموا أنها مكيدة من الروم.. وبعد أن نفذ الخادم خطته قام بالهرب في البحر ليلا عن طريق مركب أعده لذلك من قبل.
ومن الحكايات الغريبة أيضا عن المنارة ما يذكره "المقريزي" في خططه. أن البحر من حولها كان مليئا بالجواهر وكان الناس يخرجون منه فصوصا للخواتم ويقال أن ذلك من آلات اتخذها الإسكندر للشراب فلما مات كسرتها أمه ورمت بها في تلك المواضع من البحر.
ومنهم من رأى أن الإسكندر اتخذ ذلك النوع من الجواهر وغرقه حول المنارة لكي لا تخلو من الناس حولها، لأن من شأن الجواهر أن تكون مطمعا للناس في كل مصر.
أما عن المرآة التي كانت في أعلى المنارة فيذكر "المقريزي" سببا لوجودها أن ملوك الروم بعد الإسكندر كانت تحارب ملوك مصر والإسكندرية فجعل من كان بالإسكندرية من الملوك تلك المرآة. والتي يمكن من خلالها أن ترى أي شيء في البحر، أو كما ذكر "عبدا لله بن عمرو" أن من يجلس تحت المنارة وينظر في المرآة فيمكنه أن يرى من هو بالقسطنطينية.
ولم تكن المنارة بناءاً بسيط التركيب أو التصميم، بل يمكن اعتبارها متاهة حقيقية، فكان من يدخلها يضل فيها إلا أن يكون عارفاً بالدخول والخروج لكثرة بيوتها وطبقاتها ومرآتها، وقد ذكر أن المغاربة حين جاءوا في خلافة "المقتدر" في جيش كبير، ودخل جماعة منهم على خيولهم إلى المنارة فتاهوا فيها في طرق تؤدي إلى مهاو تهوي إلى السرطان الزجاجي وفيه سراديب تؤدي إلى البحر، فتهورت الخيول و فقد عدد كبير من المغاربة.
وحتى أيام "المقريزي" كان ثمة بقية للمنارة تتجاوز مائتي وثلاثين ذراعا وكان في المنارة مسجد يرابط فيه المتطوعون من المصريين. غير أن الكوارث بدأت تحل بهذا البناء الأسطورة 777هـ حين سقط رأس المنارة من زلزال قوي اجتاح السواحل كلها.
ويذكر أن المنارة كانت مبنية بالحجارة المنتظمة والمطلية بالرصاص على قناطر من الزجاج، وتلك القناطر على ظهر سرطان بحري.
وكان في المنارة 300 بيت بعضها فوق بعض وكانت الدابة تصعد بحملها إلى سائر البيوت من داخل المنارة، ولهذه البيوت طاقات تشرف على البحر،
وهناك من يرجع بفكره بناء المنارة إلى ما قبل الإسكندر واليونانيين فيقول" ابن وصيف شاه":إن أبناء مصر أيام "حام بن نوح" هم الذين بنوا مدنا عديدة منها رقودة التي هي مكان الإسكندرية وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من نحاس مذهب والقبة من ذهب خالص ونصبوا فوقها منارة عليها مرآة فكانوا إذا قصدهم عدو من الأمم التي حولهم فإنهم يقوموا بتوجيه المرآة ة ناحيته فتلقي عليه شعاعها فتحرقه، ومازالت على حالها حتى غلب عليها البحر ونسفها حتى جاء الإسكندر وعمل منارة مشابهة لها، عليها أيضا مرآة يرى فيها من يقصده من أعداء من بلاد الروم، فاحتال ملوك الروم ووجهوا من أزالها وكانت من زجاج.ويتكلم "المقريزي"عن بناء المنارة فيقول :إنها ثلاثة أشكال فأكثر من الثلث مربع الشكل تم بناؤه بأحجار بيضاء وطوله حوالي 100 ذراع. ثم بعد ذلك جزء مثمن (ثماني) الشكل مبني بالحجر أكثر من 60 ذراعا وحوله فضاء يدور فيه الإنسان وأعلاه دائري.
وكان" أحمد بن طولون" قد رمم شيئا من المنارة وجعل في أعلاه قبة خشبية ليصعد إليها من داخلها.. وفي الجهة الشمالية من المنارة كتابة بالرصاص بقلم يوناني طول كل حرف ذراع في عرض شبر ومقدارها من الأرض نحو 100 ذراع وماء البحر قد بلغ أصلها وقد تهدم أحد أركانها الغربية مما يلي البحر. فقام ببنائه" أبو الجيشخ ماروية بن أحمد بن طولون" وبينها وبين الإسكندرية حوالي ميل وهي على طرف لسان من الأرض ومبنية على فم ميناء الإسكندرية

ومما يروى عن طرائف هذه المنارة أنها كانت مجمعا لأهل الإسكندرية في يوم الاثنين ويسمي (خميس العدس) حيث يخرج سائر الأهالي من مساكنهم قاصدين المنارة ومعهم طعامهم ولابد أن يكون فيه عدس فيفتح باب المنارة ويدخل الناس، منهم من يذكر الله ومنهم من يصلي ومنهم من يلهو ولا يزالون حتى ينتصف النهار ثم ينصرفون وفي ذلك اليوم يحترس على البحر من هجوم العدو.
وكان في المنارة وقود النار يشتعل طوال الليل فيقصد ركاب السفن تلك النار على بعد، فإذا رأى أهل المنار ما يريبهم أشعلوا النار من جهة المدينة ليراها الحراس فيضربوا الأبواق والأجراس فيتحرك الناس وقتها لمحاربة العدو.
ويشتد خلال المؤرخين العرب حول العبقري صاحب بناء المنارة فيقول "ابن عبدالحكم" أن الذي بناها لم يكن "الإسكندر" بل هي الملكة (كليوباترا) وهي التي حفرت الخليج في الإسكندرية وبلطت قاعه.
ولما استولى "أحمد بن طولون" على الإسكندرية بني في أعلى المنارة قبة من الخشب فأخذتها الريح، وفي أيام "الظاهر بيبرس" تداعت بعض أركان المنارة فأمر ببناء ما هدم منها وبني مكان هذه القبة الخشبية (أعلى المنارة) مسجدا يتبرك الناس بالصلاة فيه . إلا أن المسجد قد هدم عام 702 هـ ثم أعيد بناؤه على يد الأمير ركن الدين بيبرس.ويقال أن المنارة كانت بعيدة عن البحر فلما كان في أيام قسطنطين هاج البحر وغرق مواضع كثيرة وكنائس عديدة بمدينة الاسكندرية ولم يزل يغلب عليها بعد ذلك ويأخذ منها شيئا فشيئا حتى اختفت تماما..
ولم يعد للمنارة أي وجود الآن.. ولا يتذكرها أحد إلا باعتبارها أحد أهم عجائب الدنيا.. وربما تكون بقاياها غارقة في البحر أو كما يدعي البعض أنها هدمت تماما وبني مكانها قلعة قايتباي منذ مئات السنين. لكنها عموما ستظل إعجازا بشريا أقرب إلى الأسطورة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق